المتشرد

مواضيع مفضلة

المتشرد

كالعادة بدأت يومي بالذهاب إلى العمل وفي صباح يوم و بينما أنا في طريقي إلى هناك وقع بصري على رجل متشرد يجلس القرفصاء على الرصيف , و تظهر من سحنته القاتمة الكآبة و الغبن , بدت عليه آثار الإرهاق و التعب كما تبدو الشمس إبان اعتدالها و كان الناس يمرون حوله و لا يعيرونه أدنى إهتمام و كان أحيانا ما يتلقى نظرات استهجان وازدراء لقد كان آية في الدمامة و القبح فقد كان شكله يوحي بالقذارة و كان جلبابه الفضفاض متسخا حتى اندثر لونه الأصلي و أصبح أسودا قاتما , كان كث الشعر غليظ الحاجبين بدت صفحة وجهه شاحبة تكسوها طبقة غليظة من الغبار المتراكم على مر الأيام ولما رأيت كل ذلك استغربت في قرارة نفسي كنه أمره , و تولدت في أعماقي رغبة جامحة لمعرفة حقيقته .ثم رأيت المشهد مرة أخرى و تمثلت لي القسوة رجلا منتصبا أمامي يسير في موكب عظيم ووراءه حشد من هؤلاء الناس الذين لم تنفذ الشفقة إلى قلوبهم .جرت كل هذه الخواطر في لمح البصر حتى أحسست بيد تربت على كتفي و لما التفت رأيت صديقا و قد نظر إلي بتعجب و هو يقرأ علامات الإشفاق و التأسف على ملامحي و كأنه قد سمع لسان حالي و قبل أن أنبس ببنت شفقة قال باقتضاب "لا تستعجب يا صديقي فإن هذا الرجل كان في يوم ما من الأثرياء حتى أقبل ذلك اليوم الذي شب فيه الأولاد و عاثوا في الأرض فسادا و بذروا أمواله و أسرفوا على أنفسهم حتى استنزفت كل أموالهم فتشتت شملهم و تفرقت كلمتهم و كانوا كثيرا ما يتخاصمون ,حتى ترك ذلك الوالد وحيدا لا يقدر على شيء مما يسد به رمه ,فحزن حزنا شديدا و مرض ذات يوم بداء خطير تسرب إلى عقله و أصبح من زمرة المجانين حتى أصبح على هذا الحال كما ترى"

استمعت إلى كل ذلك و تنهدت من أعماق قلبي و أعدت النظر إليه من ورائي و نحن نحث خطانا نحو الأمام .





from منتديات الخبر

إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف