جوانب "خفية" من التراث الروحي الأمازيغي!

مواضيع مفضلة

جوانب "خفية" من التراث الروحي الأمازيغي!



الكاتب:

حمزة يدوغي





كنت أستمع باهتمام كبير إلى ذلك الشيخ في إحدى قرى منطقة القبائل وهو يقدم تفسيرا طريفا رائعا لظاهرة اسمية منتشرة في تلك المنطقة، فقال: إن حب أهل هذه المنطقة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جعلهم يقرنون اسمه الشريف ببعض الأسماء التي يطلقونها على المولود الجديد؛ تيمّنا وتبرّكا، ولكنهم- من إعظامهم وتقديرهم له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لا يطلقون اسمه كاملا، فلا يقولون "محمد" ولكن يقولون "محند" هكذا بالنون بدلا من الميم؛ وهذا سر شيوع هذه الظاهرة الاسمية في هذه المنطقة؛ فيقولون مثلا محند الوناس ومحند أويذير ومحند العيد وما إلى ذلك!



ثم راح يتحدث بتفصيل جذاب وممتع عن عادات أهل القبائل في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف! كلام ذلك الشيخ جعلني أفكر في الكنوز التي يزخر بها تراث الجزائر الديني المعبر عنه باللسان الأمازيغي الذي لم يحظ بعد بما يستحقه من العناية والاهتمام، خصوصا ما يتمثل منه في المدائح الدينية المختلفة التي نظمها الشعراء في مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وفي مناجاته، وكذا في التبرك بأولياء الله الصالحين وذكر كراماتهم وأفضالهم على الأمة بهدايتها إلى دينها!



إن حب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد تغلغل- كما نعلم جميعا- في نفوس الجزائريين منذ الفتح الإسلامي الأول وأصبح هذا الحب يتجلى في مختلف مجالات حياتهم سواء في سلوكهم الفردي أم الجماعي وكذا في معجمهم اللفظي المتداول بينهم في المواسم والأعياد وفي تقاليد الأسرة وعاداتها!



إن الشاعر المداح الذي عبر عن هذه الروح الدينية الأصيلة يعتبره أهل هذه المنطقة ضمير الجماعة وعنوان ذاكرتها ومغذي مخزونها الشريف الذي يعكس عمق إيمانها وسلامة فطرتها وصحة وجدانها!



ولقد برز من الشعراء الدينيين الناطقين باللسان الأمازيغي من أغنوا هذا التراث، قدوتهم في ذلك من أنجبتهم هذه المنطقة من العلماء الربانيين الملهمين الذين كانوا يصوغون ما يرد عليهم من النفحات الإلهية والإشراقات والإشارات في قوالب شعرية يتناقلها الناس شفاهة جيلا عن جيل لتثير كوامن الوجدان وتحرك- على مر العصور- سواكن الأشجان!



إن من حق الأجيال الناشئة على الباحثن المختصين في هذا المجال أن يبرزوا هذا التراث الروحي الإسلامي الأصيل لتجدد صلتها به وتقدره حق قدره وتعزز به مرجعيتها الدينية والثقافية والحضارية وتتأكد من أن سر تماسك المجتمع الجزائري إنما هو الإسلام الذي جعل منه نموذجا رائدا للمجتمع الإسلامي القائم على تنوع النسيج اللغوي والثقافي والاجتماعي في إطار وحدة دينية ووطنية جامعة!



ومن الحقائق التاريخية التي تجدر الإشارة إليها بهذا الصدد أن التراث الأمازيغي لا يعكس سوى روح الإسلام عقيدة وشريعة وقيما ومثلا وآدابا، بمعنى أن الباحث في هذا التراث لا يجد فيه- مثلا- أثرا أمازيغيا مسيحيا، وأما ما قد يوجد من آثار مسيحية فإنه ليس آثارا أمازيغية- كما يؤكد الباحثون- وإنما هي آثار رومانية تعود إلى الأمس البعيد أو هي آثار فرنسية تعود إلى الأمس القريب!



والذي يفسر هذه الحقيقة التاريخية هو أن الأمازيغ كانوا دائما متمسكين باستقلالهم أشد التمسك متشبثين بشخصيتهم، وكانوا- لذلك- ينفرون من كل ما ليس له علاقة بهم؛ وعندما يقعون تحت سيطرة الأجنبي فإنهم ينطوون على أنفسهم ويحافظون على تميزهم، إلى أن جاء الإسلام واعتنقوه عن اقتناع ورضوا به عقيدة وشريعة وعضوا عليه بالنواجذ لأنفهم وجدوا فيه ما يوافق فطرتهم وقيمهم وينسجم مع روحهم الاستقلالي ونظرتهم إلى الحياة؛ مجسدين إياه في واقع حياتهم واغتنى به تراثهم المادي والروحي، فامتزجت لغة القرآن الكريم بمعجمهم اللفظي الأمازيغي الذي أصبح منذ الفتح الإسلامي يعكس مضمون هذا التراث الغني!







لذلك كان أول مجال خصب للبحث عما يؤكد هذا البعث الروحي في التراث الأمازيغي هو مجال اللغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها؛ فهناك من الباحثين من رصد الألفاظ الأجنبية التي امتزجت الأمازيغية بفعل الاحتكام المباشر كالأفاظ التركية والإسبانية والفرنسية وبطبيعة الحال اللغة العربية، وهؤلاء الباحثون يؤكدون أن البحث في مختلف اللهجات الأمازيغية يفضي إلى حقيقية لا مجال للشك فيها وهي أننا لا نجد إشارة واحدة لها علاقة بالديانة المسيحية؛ فالتراث الأمازيغي مصبوغ كله بالصبغة الإسلامية!





from منتديات الشروق أونلاين

Post a Comment

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف